الإسپرانتو:  اللغة المُشتركة للقرن الحادي والعشرين

 

كتابة:  وائل المهدي     ?     

 

هل زار بلدَك يوماً أناسُ قادمون من دولة أجنبية ولم تستطع التحدّث معهم؟  وهل سافرت أنت إلى بلدٍ، سواء كان بعيداً أم مجاوراً، وأعياك التواصل مع أهل هذه البلد، لأنك لم تكن تعرف لغتهم وهم كذلك لا يعرفون لغتك؟  إذا كان جوابك نعم، فأنت لست الوحيد الذي لا يستطيع التواصل دائماً في عصر العولمة هذا.  فقد حولت وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها الإنترنت، حولت الكرةَ الأرضيةَ إلى قرية صغيرة يلتقي فيها الشرق بالغرب وتندمج فيها الشعوب والحضارات، ولكن تنقصها لغة مشتركة تسمح لسكان العالم بالتواصل مع بعضهم البعض بكفاءة وفعالية.

 إذاً السؤال الذي يطرح نفسه هو:  كيف لنا أن نجد حلاً لمشكلة التواصل الشائكة هذه؟  إذا كنت تقرأ هذا المقال الآن، فمن المحتمل أن لغتك الأم هي اللغة العربية، مما يعني أنك تستطيع أن تتحدث بكل فعالية داخل إطار الوطن العربي.  ولكن ماذا يحدث حين تتعدى حدود وطننا العربي؟  ماذا يحدث حينما تسافر إلى دولة قريبة، مثل تركيا مثلاً؟ رغم التأثر الكبير للغات الدول الإسلامية باللغة العربية، ستجد أن متكلمي اللغة العربية في هذه الدول (مثل تركيا، إيران، ماليزيا) قليلون فعلاً.  والواقع أن الكثير من قاطني الدول الإسلامية يقرءون اللغة العربية من أجل قراءة القرآن الكريم، ولكنهم لا يستطيعونَ أبداً تكلّمها واستخدامها بطريقة عملية.  والأكثر من ذلك، ستكتشف أن شعوب الدول المجاورة غالباً لا يتقنون الإنكليزية أيضاً.  من كل ذلك إذاً نستطيع التوصل إلى حقيقة أننا لن نذهب بعيداً إذا حاولنا إجراء أعمالنا باللغة العربية في الدول المجاورة، فضلاً عن الدول الأبعد مسافةً عن العالم العربي أو الشرق الأوسط..    

 إذاً ماذا يتأتى لنا من حلول الأُخرى لمشكل اللغة من القرن الواحد والعشرين؟  الجواب الفوري الذي يطرأ على بال البعض هو اللغة الإنجليزية.  ولكن كما أسلفنا، لا يتحدث الجميع اللغة الإنجليزية، خصوصاً في الدول الكبيرة المشغولة بذاتها التي لا تحتاج الإنجليزية في التعليم الجامعي والتقدّم الوظيفي.  المشكلة في اللغة الإنجليزية أنه رغم كونها فعلاً اللغة الأكثر انتشاراً في العالم، فإن انتشارها هذا يبقى محدوداً وقواعدها تبقى مستعصيةً على القدر الأكبر من سكان العالم.  وكُل من حاول استخدام الإنجليزية في الصين أو اليابان من أجل التجارة والتعليم مثلاً، سيكتشف أن القليلين فعلاً في هذه الدول يستطيعون يجيدون لغة بريطانيا والولايات المتحدة.  وماذا عن مناطق أُخرى مثل روسيا، آسيا الوُسطى، أمريكا الجنوبية، أفريقيا وأجزاء كبيرة من أوروبا؟  من ناحية أخرى، فهناك بلدانُ كالهند تتحدث الإنجليزية بانتشار، ولكن مستوى اللغة لدى الكثيرين تكونُ من التواضع بمكان بحيث أنك بالكاد تستطيع فهم ما يُقال.  عجز الكثيرين عن إتقان الإنجليزية ليس غريباً، حيث أن المدارس الخاصة والجامعات باهظة الثمن، والوقت المتطلب لذلك طويل نسبياً، حيث أشارت بعض الدراسات إلى احتياج المُتعلم المتوسط إلى 5 سنوات تقريباً لإتقان القواعد الأساسية للغة (أعرف الكثيرين ممّن قضوا سنوات طويلة في بريطانيا أو الولايات المتحدة ومع ذلك يتحدثون الإنجليزية بتعثّر).  أضف إلى ذلك صعوبة قواعد الكتابة الإنجليزية (spelling)، التي تتعذّر حتى على بعض المتكلمين الأصليين أنفسهم.  وقد نتّفق مع الخبير اللغوي الأوروپي الذي قال:  “إتقان اللغة الإنكليزية، بل أي لغة وطنية، لا يتطلب عدّة سنوات فقط، بل حياةً كاملة.” 

 ما الحل إذاً؟  كالكثير من التحديات الموجودة في عالمنا اليوم، قد نتفاجأ أن الحلًّ موجودٌ أصلاً وقد مضى على اختراعه أكثر من 100 سنة تقريباً.  في سنة 1887، قام طبيب عيون پولندي باختراع لغة بسيطة ومحايدة أرادها أن تكون لغة مشتركة للعالم.  اسم هذه اللغة هو “الإسپرانتو” Esperanto.  نعم، أعلم أن هذه قد تكون أول مرة تسمع فيها بهذه اللغة، ولكن للإسپرانتو صفات وميزات تجعلها مرشحاً قوياً لأن تكونَ حلاً ناجعاً لمشكلة اللغة في عصرنا.  وقد يسأل القارىء، لماذا الأسپرانتو؟  لماذا نختار لغة “صناعية” ومجهولة لكي تكون اللغة المشتركة للعالم؟  سؤال وجيه يستحق إجابة وجيهة. 

 إن لغة الإسپرانتو ليست وليدة الأمس.  ففي تاريخها الطويل، أنشأت ثقافةً وأدباً وشعراً ونثراً، وتغني بها الكتاب والأدباء.  اُستُخدمت في السفر، وفي المؤتمرات، وحتى في الكثير من الأُسر التي تعلم أبناؤها الإسپرانتو من المهد.  انتشرت في الصين واليابان، في أوروبا والأمريكيتين، وحتى في أفريقيا.  وبالمناسبة، فإن في الوطن العربي الكثير من الأسپرانتيين حالياً، في الخليج ولبنان ومصر والأردن والمغرب العربي، كما أنه يوجد قاموس من العربية للإسپرانتو.  فإذا فإن الإسپرانتو ليست ميتة أو صناعية، ولكنها لغة حية تنبض بالمعاني الأدبية وتعبر عن مكنون قلوب الآلاف من البشر.

 ولكن ماذا عن تركيب اللغة ذاتها؟  سيكون من المطمئن للقارىء أنه، وبخلاف اللغات السائدة اليوم، لا يوجد في الإسپرانتو أي استثناءات في القواعد.  أي أن قواعدها، من تصريف للأفعال، وتكوين للجمع وحالة المفعول به والنعوت، هي نظامية تماماً، ولا يوجد بها أي استثناء.  إذاً وداعاً لحفظ جداول تصريف الأفعال كما في الإنجليزية!  ونظام الكتابة كذلك هو نظامي تماماً وقائمُ على قاعدة ثابتة وواضحة: كُل حرف يُكتب كما يُلفظ.  بمعنى آخر، كل حرف يُمثل صوتاً واحداً فقط، لا يتغير، ولا يحتمل التأويل كما في الإنجليزية أو الفرنسية.  عوضاً عن ذلك، فإن أدوار جميع الكلمات في الجملة واضحة تماماً، ليس فيها شك، مما يسهل على القارىء والمستمع الإدراك الفوري لما يُراد من النص.  إذاً فالإسپرانتو من الناحية التقنية بسيطة ومفتوحة للجميع، ولكنها قوية وواضحة من الناحية التعبيرية.

 وأخيراً، نصل إلى مسألة الحياد.  الكثيرون يتحدثون الإنجليزية مثلاً، ولكن أغلبهم لا يتحدثونها كلغتهم الأم، مما يؤدي إلى نوع من التميّز والتفرد يتمتع بهما متكلم الإنجليزية الأصلي.  وقد يتساءل البعض، لماذا يجب نحن أن نقضي سنوات في تعلم لغة، بينما يحصل متكلموها الأصليين على ميزات إضافة من ناحية التفاهُم، مجاناً ومن بدون أي جُهد؟  هذا هو الحال بالنسبة للأمريكيين والبريطانيين في بعض المنظمات الدولية، حيث يتولى هؤلاء مناصباً حساسةً من ناحية توصيل الرسالة للعالم الخارجي، مثل المتحدث الرسمي أو كاتب الخُطب.  إذاً نستخلص من انتشار اللغة الإنجليزية، أو انتشار أي لغة أخرى (مثل الفرنسية أو الروسية في بعض مناطق العالم)، نستخلص أن قوة لغة ما تُعطي قدرةً مضافةً إلى المتحدثين الأصليين لهذه اللغة وإلى الدولة المتحدثة بهذه اللغة.  تبعاً لذلك ليس من الأفضل انتقاء لغة محايدة تماماً تعطي للجميع فُرص التواصل والتخاطب المتساوية وتضع كل سكان العالم على قدم من المساواة من ناحية التعبير عن النفس والفَهم؟  أعتقد أن هكذا تطور سيكون له الأثر الأكبر على تيسير التفاهم بين شعوب العالم وقد يؤدي إلى تغير واسع في الثقافة العالمية وفي الطريقة الذي يقوم بها العالم بأعماله اليوم. 

 وفي الخلاصة نترك الرأي للقارىء حول الإسپرانتو ومستقبلها.  فهذه اللغة بسيطة، محايدة، ذات تاريخ طويل ومتنوع، معبرة ومناسبة للتفاهم الدولي.  ولكن هل ستجد التقبل في عصر العولمة والحلول السريعة؟ ماذا بالنسبة للغة الإنجليزية، فهل ستظل تنتشر وتتوسع، قاضيةً بذلك على الكثير من اللغات المحلية ومتبوئةً مكاناً قد لا تستحقه؟  في رأيي، فإن لغة الإسپرانتو هي أحد الحلول الأكثر نجاعة وعملية لمشاكل التواصل في القرن والواحد والعشرين.

  ولمن تملكه الفضول فهناك مئات المواقع المتعلقة بالإسپرانتو على الشبكة العالمية (أنصح خصوصاً بموقع www.lernu.net).          

Free Web Hosting